شعار قسم مدونات

لمسة حب..

BLOGS الحب
ما إن استيقظت خطر على بالي أن أقرأ لجلال الدين الرومي، كل يوم أتوحّم على قراءة شيءٍ ما، وإذا بي أتجوّل بين كلماته باحثة عن شيء لا أدري ما هو، ثمَّ توقفت عند مقولة له :" ما لمس الحب شيئا إلا وجعله مقدسا" ، تأملتها وكأنّها تُخاطبُ وجداني. أحسست أنّه ينقصني الكثير من الحب، تساءلت يا ترى هل سأُحِب وأُحَب؟ هل سأجد من يسأل عني نجتمع يوميا تحت سقف واحد، يتأمل عيناي بشغف، وأتأمل ابتسامته بثقة فقد وجدت الاحتواء وآن لي الانصهار في قُدسيّةِ الحب.
  
الحقيقة أنّ الكتابة عن الحب تشد قلمي شدا، هذه الكلمة التي أذابت براءة النظرات، لهفة المشتاقين في حرفين حاء وباء، ثم يأتي البعض سائلين: "يا امرأة لماذا تكتبين كثيرا عن الحب، لقد شغلتي المُتابعين أوقدتي شعلة الفضول لديهم، وكأنّ الكتابة عن الحب عيب تُعاقبنا عليه الأعراف المقدسة".
  
عادي جدا أن أكتب عمَّا أريده أن يتلبّسني تلبًّساً، أشتهي قدسية تنير مشاعري فأغرق في وهج يرتقي بي نحو عالم أُتقن فيه لغة الصامتين، العاشقين، الزاهدين عن كلّ الدنيا إلاَّ عن لمسةِ حُبٍ عفيف نقيّ كقلوب الأطفال، فأنا من يوم أدمنت الكتابة أخذت مع نفسي عهدا: "أن أكتب دون كلل أو ملل ما دام حبري هائجا كمحيطٍ غازلته رياح الشتاء، نعم لن أتوقف ما دام نبضي يعزف لحن الانتظار، ما دام نصفي خجولا، يحجب حبه ليل نهار".
 

عندما أتحدّث مع من حولي أجد من يرى في الحب مهرباً من ألم ما، ومنهم من يرى فيه ابتعادا عن الوحدة، ومنهم يرى فيه ضرورة للاستمرار في الحياة

أنا حينما تهافت العالم على كتابة السياسة، عن وصف جروحهم وما أودت إليه الحروب من دمار اتجهت عكس التيار، بحثت عن شيء يُلامس خبايا الجميع، يرسم على وجوههم البسمة، يجعل مشاعرهم ترتجف فضولا، بدل الدموع والآهات، حينذاك قرّرت أن أبتعد عن صخب المواجع، يكفينا نخرا في ماضٍ أخذ منا حلاوة العمر، يكفينا تفكيراً يعصر راحتنا عصرا، وينتف شبابنا نتفاً، فالحرب لن تتوقف والموت لن يكف عن ملاحقتنا، فهيا بنا نُلاحق الحب، وحين توافينا المنيّة تتجمد أجسامنا فقط، لكننا سنحيا داخل تفاصيل الحبيب، حتى لا يتوقف عن إبصارنا، حتى تظل نار الشوق متوهِّجة في تفاصيله.

 
لماذا سأخجل من الكتابة عن الحب، هي ليست جرأة، هي حقيقة لا بد لها من أن تُزهر يوما، يكفي قلوبنا جفافاً، يكفينا أعذارا لا جدوى منها إلاّ المزيد من الألم، حان الأوان أن نسقي تربة القلب بالاهتمام، فالربيع قادم تحمله أجنحة الحبيب، تهمس لنا سيمفونية الالتحام الروحي، والعناق الأبدي، هي فقط لحظات وسويعات إن أردناها أن تسكننا ستفعل، وإن أغلقنا عليها الأبواب تراجعت وتلاشت في سواد الظنون.
 
عندما أتحدّث مع من حولي أجد من يرى في الحب مهرباً من ألم ما، ومنهم من يرى فيه ابتعادا عن الوحدة، ومنهم يرى فيه ضرورة للاستمرار في الحياة، ومنهم من يجد فيه مسكناً يأوي إليه بحثا عن الدفء فهناك من أبصر الحب فعلا، وهناك من يأخذ به كوسيلة أو حاجة آنية قد تتلاشى بعد مدة قصيرة، نحن نختلف حتى في فهمنا للحب، لكننا لا نختلف في شهقة البداية تلك، حينما نعيش شيئا مُختلفاً لم نجرّبه من قبل، لكن الحفاظ على هذه القيمة يتوقف على مدى إخلاصنا، على نياتنا، ولن يكون هناك حاجز أمام الحب أبدا، إنّما هناك عائق الأفكار التي نعمل على ترسيخها، والأعراف التي لا تزال سارية المفعول رُغم بشاعتها.
 
عادي جدا أن نحب، أن نسأل موعدا للّقاء، أن نقطع حبل الشكوك، أن نتنفس الآخر بكل اختلافاته وعيوبه، نتشاجر اليوم، فيحملنا إليه الحنين غداً، نطبع على جبينه قبلة، نمسح على يديه بلمسة ونهمس في أذنه ألحان الوفاء، الحب ليس عيبا هو أسلوب تواصل، هو قيمة وليس مادة، الحب يوزعه الله بين القلوب، هو رزق للعباد يجمع شملهم، يأخذ بأيديهم إلى النور: "حينما أُحبُّك سأُزهرُ في تُربتك، ستتنفس عطري وأُعانق روحك إلى الأبد".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.