تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن نشأة الدولة الكويتية وعلاقاتها مع محيطها الخليجي بصورة موجزة وبقي لنا خمسة عناصر أخرى ضمن الخريطة الذهنية التي أسعى لرسمها لديك عزيزي القارئ لنفهم سوياً التحركات التي قامت بها الكويت في التعاون الاقتصادي مع الصين وكيف أن هذه الخطوة ستشكل بداية لتغيرات كبيرة ومحورية في منطقة الخليج.

   

قبل الحديث عن علاقة الكويت بالإنجليز لابد من بيان نقطة هامة وهي أن الخليج كان مطمعاً لقوى كثيرة وجرى التنافس عليه لما كان يمثله من محطة لالتقاء التجارة العالمية فقد كانت التجارة إما أن تسلك طريق البحر الأحمر ومصر أو طريق الخليج والعراق والشام، وبدأ الغزو الأوروبي للخليج من قبل البرتغاليين مع بداية عام 1500م حيث حدثت أحداث كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وما يهمنا هو أن السيطرة البرتغالية على مضيق هرمز الاستراتيجي مثلت بداية السيطرة الفعلية على منطقة الخليج، وبعد انضمام البرتغال لعرش إسبانيا زادت قوة البرتغاليين وتعرضوا للسفن الهولندية مما دفع الهولنديين إلى مهاجمة بعض جزر أرخبيل أندونيسيا ثم أسسوا شركة الهند الشرقية الهولندية والتي سيكون لها تأثير كبير في احتدام الحرب التجارية والتي لا تخلوا من توظيف الدين في إباحة الدماء.

  

وهنا يظهر الإنجليز لأول مرة في منطقة الخليج العربي عند بداية القرن السابع عشر الميلادي ،حيث كان قد أسس الإنجليز شركة الهند الشرقية الإنجليزية سنة 1600م ونشبت حرب بين سفن شركة الهند الشرقية الإنجليزية وبين البرتغاليين في العام 1620م وانتهت الحرب في العام 1622م وضعف مركز البرتغاليين في مقابل تعزز مركز الإنجليز في المنطقة ،كانت فرنسا بطيئة نسبياً في التطلع لمنطقة الخليج مقارنة مع البرتغال وهولندا وبريطانيا حيث حاولت تأسيس شركة على غرار الشركتين الهولندية والإنجليزية حتى تتمكن من رعاية مصالحها في الشرق لكنها فشلت ،ظلت البحرية الهندية تواصل مهامها في منطقة الخليج العربي حتى عام 1858م حيث قررت بريطانيا حل شركة الهند الشرقية الإنجليزية نتيجة لقيام الثورة الهندية، وهنا تدخل الأسطول البريطاني بشكل أقوى في منطقة الخليج.

  

مما سبق يتضح كيف كانت تموج هذه المنطقة من العالم بالاضطرابات موجاً، وكان تواجد دولة الخلافة العثمانية في شبة الجزيرة العربية من 1517 إلى 1918، وتنوعت درجة السيطرة في هذه الأراضي على مدى أربعة قرون. توطدت العلاقات البريطانية مع الكويت في عهد الشيخ مبارك الكبير بعد أن كانت في شد وجذب مع من سبقه، حيث أن الإنجليز كانوا قد مارسوا ضغوطاً على الشيخ جابر الأول الحاكم الثالث للكويت وطلبوا منه الانضمام إلى المعاهدة البحرية التي أبرموها مع المشيخات العربية لكنه رفض، والواقع أن بريطانيا كانت تريد الهيمنة على مياه الخليج العربي وعدم السماح لأي قوة بمنافستها في هذه المنطقة.

 
صعد الشيخ مبارك الكبير إلى الحكم في العام 1896م في ظل أحداث جسام واضطرابات كانت تمر بها إمارة الكويت حيث قُتل الشيخ محمد والشيخ جراح وكانا أخوين للشيخ مبارك وفي العام 1899 وقع الشيخ مبارك مع بريطانيا اتفاقية تعرف باسم (معاهدة الصداقة الأنجلو-كويتية) وظلت المعاهدة سرية حتى تم الإعلان عنها بعد توقيعها بسنوات قليلة ،وهنا لابد من مناقشة هذه المسألة بشيء من الاستفاضة، فقد تحدث الكثيرون عن أنه ما كان ينبغي للشيخ مبارك أن يخطو هذه الخطوة، وعلى الجانب الآخر هناك من يرى صواب خطوة الشيخ مبارك لا لشيء إلا أنها لابديل أمامه غيرها وإلا هدمت بريطانيا الكويت على رؤوس ساكنيها لكني لا أتفق مع أصحاب الرأي الأخير ووجهة نظري في ذلك أن وجود المسلمين تحت مظلة الخلافة أمر يعود بالنفع لا محالة، فكان على الشيخ أن يراوغ البريطانيين دون أن يعطيهم مرادهم.

  

وهنا لابد أن أتطرق لما ذكره المؤرخ عبد العزيز الرشيد في كتابه "تاريخ الكويت" حينما أراد أن يدلل على أن الشيخ مبارك لم يخرج على دولة الخلافة واستشهد بكلام الأستاذ الشيخ رشيد رضا والذي تحدث عن أن هناك منافقين في كبار رجال الدولة العثمانية قاموا بتشويه صورة الشيخ مبارك عند الخليفة وبين أن كل ما قيل مخالف للواقع، وأن الشيخ مبارك كان من أشد المخلصين لدولة الخلافة واستمر الشيخ رشيد رضا يذكر شهادات نقيب البصرة وشيخ قبائل عنزة في العراق على إخلاص الشيخ مبارك وهذا على حسب ما أورده عبدالعزيز الرشيد في كتابه، وأود أن قول كخلاصة في نهاية هذه النقطة الشائكة (قوتنا في وحدتنا) جملة ينبغي أن تكون نصب أعيننا دائماً.

     

تعمقت العلاقات البريطانية الكويتية بعد اكتشاف النفط في العام عام 1938م في حقل برقان والذي يعد ثاني أكبر بئر نفطي في العالم وظلت العلاقات في تنامي حتى بعد حصول الكويت على استقلالها في العام 1961م وإلغاء معاهدة عام 1899م، وفي العام 1975م تم توقيع اتفاقية بين دولة الكويت وشركة النفط الأنجلو-إيرانية (معروفة حالياً بشركة البترول البريطانية بي بي) وشركة غالف للزيت الأمريكية والمعروفة حالياً بشركة شيفرون، تقرر بموجبها حق الكويت في السيطرة الكاملة على مصادرها النفطية، وكانت قد بدأت عملية تأميم الشركة بعد مصادقة مجلس الأمة الكويتي في عام 1974 على تملك الحكومة الكويتية 60 في المئة من أسهم الشركة على أن تبقى نسبة 40 في المئة موزعة بالتساوي على شركة البترول البريطانية والشركة الأمريكية، وفي عام 1975 تملكت الحكومة الكويتية كامل أصول الشركة و إدارة عملياتها كما ذكرت قبل قليل .وقد ساهمت الكويت في تفوق الاقتصاد البريطاني عبر الارتباط بالجنيه الاسترليني ،وشاركت بريطانيا ضمن التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991م.

  

ومن الواجب ذكره أنه بعد الخطوة التي اتخذتها الكويت تجاه الصين هناك حديث عن إنشاء قاعدة عسكرية بريطانية على الأرض الكويتية والشيء بالشيء يذكر فقد تحركت أيضاً السعودية ووقعت مع الكويت على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بين البلدين وهناك زيارة مرتقبة للرئيس الصيني إلى الإمارات، كل هذا الحراك حدث في أقل من أسبوع بعد الخطوة الكويتية تجاه الصين وهذا ما كنت أتحدث عنه في المقال السابق أن التحرك ناحية الصين له ما بعده، والكويت ستواجه الكثير من العقبات ولن يمر الأمر هكذا.

 

أبرز النقاط التي أود التركيز عليها هنا أن العلاقة الكويتية مع الولايات المتحدة الأمريكية بدأت قبل حصول الكويت على استقلالها، حيث افتتحت الولايات المتحدة قنصلية لها في الكويت عام 1951م وتحولت إلى سفارة في العام 1961م بعد الاستقلال، وفي العام 1986م قامت الكويت باستئجار ناقلات نفط أمريكية لاستخدامها في نقل نفطها إلى العالم، وشكلت هذه الخطوة قفزة في العلاقات الاستراتيجية بين الكويت وواشنطن ومهدت الطريق إلى مزيد من الارتباط بين الدولتين ،وكانت نقطة التحول الكبرى في العلاقة عندما وقع الغزو العراقي للكويت، حيث قام جورج بوش الأب بقيادة تحالف دولي لتحرير الكويت.

    

 

ويوجد في الكويت قاعدتان أمريكيتان: قاعدة معسكر الدوحة ومعسكر عريفجان وأيضا للأمريكيين قواعد في دول الخليج الأخرى: قاعدة العديد في قطر، قاعدة الجفير في البحرين، قاعدة اﻟظﻔرة في الإمارات، قاعدة "قرية الإسكان" في السعودية وعدد الجنود الأمريكيين في السعودية انخفض للغاية في منتصف العام 2003 وهناك تقارير تشير إلى أنه حوالي 500 جندي أميركي فقط، وفي عمان يوجد قاعدة جوية تتمركز بها قاذفات وطائرات التزود بالوقود. ومنذ مجيء ترامب وقد حدثت هزات قوية في العلاقات الأمريكية الكويتية فما قبل ترامب ليس كما بعده.

  

هي علاقات متأرجحة بين التحسن والتوتر، تبعد الكويت عن إيران حوالي 200 كيلومترًا ويفصل بينهما حدود مائية عبر الخليج العربي، اعترفت إيران باستقلال الكويت في نفس عام الاستقلال وافتتحت سفارتها هناك في العام التالي وكل ذلك كان له تأثير على الجدال الذي دار بين الكويت وعراق عبد الكريم قاسم حول تباعية الكويت للعراق وقد اعترفت الكويت بالثورة الإيرانية وبنظامها وأقامت علاقات دبلوماسية معه، أصيبت العلاقات بتصدعات نتيجة فكرة تصدير الثورة التي سعت إليها إيران وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقفت الكويت على الحياد في بداية الأمر ثم مالت ناحية العراق لأسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها وعلى أثر ذلك وقت أحداث دموية في الكويت ووجهت أصابع الاتهام إلى إيران وهذا ما سأتناوله الأسبوع القادم -إن شاء الله- بالإضافة إلى بقية العناصر التي ستكتمل بها الصورة وتتضح من خلالها الرؤية.