شعار قسم مدونات

الاعتبار من كتاب الاعتبار.. (2)

BLOGS كتاب الاعتبار

(ركوب أخطار الحروب، لا ينقص الأجل المكتوب، والعمر مؤقت مقدّر، لا يتقدم أجله ولا يتأخر، والنصر في الحرب من الله، لا بترتيب وتدبير، ولا بكثرة نفير ولا نصير)

– من كتاب الاعتبار على لسان مؤلفه الأمير أسامة بن منقذ الشيزري، رحمه الله وغفر له.

 

لقد قسّم د.عبد الكريم الأشتر الكتاب إلى فقرات (200 فقرة) وجعل لكل فقرة عنوانا حسب موضوعها وفكرتها، مما يسهل على القارئ والدارس كثيرا، واجتهد ووضع مكان الكلمات المطموسة في مخطوط الكتاب كلمات أخرى يقتضيها السياق حسب اجتهاده، وفي الهامش توضيحات وملاحظات تعين القارئ كثيرا، كما أنه في نهاية الكتاب وضع فهرسا يضم الأعلام والبلدان الوارد ذكرها في الكتاب.

 

كما أن كتاب الاعتبار قد ألحق به -غير الفقرات المئتين- أسامة بن منقذ طرفا من أخبار الصالحين، فعمل د.الأشتر على التنويه لها وقسمها إلى 14 فقرة لها ترقيم منفصل عن ترقيم الفقرات الأخرى، وأما الملحق الثاني فهو مما حضره وشاهده أسامة من مشاهد القنص والصيد وجعل هذا الملحق أيضا فقرات بلغ عددها 42 فقرة مستقلة في مجلد الكتاب، وهذه المشاهد ثرية للغاية فيما يخص فنون الصيد وطبيعة حياة الحيوان في زمانه، وكلاب الصيد وغير ذلك.

 

وكان هناك ثلاثة كما يشير الأشتر قد نشروا كتاب الاعتبار قبله وهم:هرتويغ ديرنبورغ عام 1884 وهو مستشرق فرنسي، وفيليب حِتّي المؤرخ المعروف، ونشرت الطبعة جامعة برنستون الأمريكية في 1930، ثم قاسم السامرائي عام 1987  في الرياض، والثلاثة ود. الأشتر اعتمدوا مخطوطة موجودة في مكتبة دير الإسكوريال في إسبانيا، وللأسف هناك 20 ورقة مفقودة من الكتاب، والفرق الزمني واضح بين الطبعات/النسخ المنشورة الأربعة، وبالتأكيد فإن د. الأشتر تفوق على السابقين مع إشارته لفضلهم.

 

أسامة بن منقذ في تناول سيرته الذاتية، كان يتناول أحوال الحكام والمجتمع والتجارة والزرع، ويشير إلى طباع الناس، بل إلى أحوال اللصوص والسرقات وقطاع الطرق

وموضوع المخطوطات العربية والإسلامية الموجودة في بلاد الغرب، كان وما زال محل اهتمام كل معني بحجم وعدد هذه المخطوطات، وما طبع وما لم يطبع منها، وطريقة وكيفية وصولها إلى الغرب، وكم من علماء الغرب ومفكريهم وفلاسفتهم وأدبائهم، استعانوا بها واستوحوا منها ما نعرف وما لا نعرف دون الإشارة إليها، إلا ما ندر.

 

في 200 فقرة هي صلب وموضوع الكتاب تحدث أسامة عن سيرته الذاتية ومشاهداته وملاحظاته، ورؤيته للأحداث والوقائع وأخبار الحروب. ولقد كان كتاب الاعتبار وما زال مرجعا بل المرجع الأول الأهم لأخبار الحروب الصليبية وما يخص الفرنجة وأحكامهم وفقههم وطبابتهم التي كانت محل سخرية أسامة، مما يدل على أن المجتمع العربي الإسلامي كان متقدما وإن وقعت أرضه تحت حكم الغزاة، وأن لا فضيلة تذكر للغزاة بل إنهم كما جاء في فقرة 161((بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل)).

 

وحتى في الأعمال الأدبية فإن الروائي والباحث الفلسطيني د.أحمد رفيق عوض في روايته (عكا والملوك) قد اقتبس من كتاب الاعتبار ما يصف أحوال الغزاة، من قلة الغيرة على نسائهم  وتخلف العلاج الطبي عندهم.. وهي ذات الأمور التي تحدث عنها ضيوف في برنامج وثائقي من عدة حلقات عن الحروب الصليبية عرضته شاشة الجزيرة الوثائقية، وأكدوا أهمية كتاب الاعتبار ومنهم (المتحدثون) العربي والأجنبي.

 

وكما قلنا فإن أسامة بن منقذ في تناول سيرته الذاتية، كان يتناول أحوال الحكام والمجتمع والتجارة والزرع، ويشير إلى طباع الناس، بل إلى أحوال اللصوص والسرقات وقطاع الطرق، مثل حديثه عن بني فهيد الذين يلعنهم لسوء خلقهم واعتدائهم عليه في منطقة وادي موسى (منطقة معان في الأردن حاليا) في فقرة 41 أو أحد لصوص المسلمين الشجعان الذين يسلبون ما يمكن من الفرنجة وهو الزمركل في فقرة 55 و56 وغيرها.

 

ولا يتوقف أسامة بن منقذ عن لعن الفرنجة في كل فقرة يتحدث فيها عنهم بالقول: لعنهم الله، ولعن حكامهم وقادتهم، وهذا دليل آخر على أن أسامة لا يكن لهم سوى الكراهية والعداء، وكيف لا وقد جالدهم وقتل منهم مرات كثيرة.

 

ويشير أسامة إلى طبيعة بيت الدين والفروسية الذي تربى فيه؛ فمثلا والده -رحمه الله- نسخ 43 نسخة من القرآن الكريم وأوصى بأن توضع تحت خده في قبره، إضافة إلى كتابته لعلوم القرآن والتفسير والفقه، وهو رجل كان قد خاض المعارك وأصيب بطعنة إصابة بالغة في بعضها، وكان قد كتب ختمة كبيرة من القرآن الكريم بالذهب، وكان له اهتمام بعلم النجوم وحض ولده أسامة على تعلمه، مع ورعه وتقواه وصومه وقراءته الدائمة للقرآن الكريم.. ولك أن تتخيل أي بيت تربى فيه أسامة.

 

وثمة كلمات تتكرر في الكتاب مثل: الجرائحي، أي الطبيب الجراح المختص بعلاج جرحى الإصابات بالأسلحة الموجودة ذلك الزمن، وكلمة قنطارية وهي نوع ثفيل من الرماح، وكلمات ما تزال مستعملة في الشامية الدارجة. أما حال من يقاتل من المسلمين فمنهم من كان حاله كحال الصحابة، يقاتلون لا لرغبة ولا لسمعة بل طلبا للجنة، وضرب من ذلك مثلا لفقيه هو الفندلاوي وشيخ زاهد هو عبد الرحمن الحلحولي من جملة من تصدوا لملك الألمان كنراد الثالث عند هجومه على دمش وقد قاتل الفقيه والزاهد حتى قتلا في مكان واحد (فقرة 113)… ومن المسلمين من يقاتل وفاء كما ضرب مثلا في الفقرة (114) عن فارس كردي اسمه أيضا فارس.

 

وقد ذكرت سابقا إلى امتلاء منطقة شيزر بالسباع والحيوانات المفترسة، مما جعل أسامة يسترسل في الحديث عن وعن طباعها، بل يبدو أن تربية الأسود كانت شائعة، وممتهنها في دمشق يقال له سبّاع، ويعرض أسامة خبرته في الأسود والنمور والفهود وطباعها وتجاربه معها في عدة فقرات (فقرة 138 وفقرات قبلها).

 

تعتبر الفقرات من 161- 175 من أهم الفقرات لمن أراد معرفة أحوال الفرنجة الذين خالطهم أسامة عن قرب فوصف أحوالهم من معتقدات دينية أو طريقة علاجهم وطبهم أو ظروفهم الاجتماعية
تعتبر الفقرات من 161- 175 من أهم الفقرات لمن أراد معرفة أحوال الفرنجة الذين خالطهم أسامة عن قرب فوصف أحوالهم من معتقدات دينية أو طريقة علاجهم وطبهم أو ظروفهم الاجتماعية
 

أما النساء فمنهن من كانت تمارس السحر في المقابر كعجوز اسمها بريكة، ومنهن مقاتلات بالسيف بل حتى عجوز تقاتل ملثمة، وأم أسامة كانت تريد قتل ابنتها في حال شعرت أنها ستقع في الأسر، ومنهن صاحبات رأي وحكمة… ولك أن تقارن حال نساء الفرنج مع تلكم النساء المسلمات. ولا يقتصر القتال على الفرنجة بل ثمة معارك مع الإسماعيلية الذين يصفهم بالحلاّجين لعملهم بهذه المهنة أو الباطنية، أي كان القوم بين نيران كثيرة من الأخطار؛ فثمة خلافات داخلية، وفرقة باطنية تهاجمهم، وفرنجة بجيوشهم وفرسانهم يحاربونهم.

 

ويشير أسامة أن بعض أصحاب المواهب والنعم كانوا خونة مثل ابن أبي الريداء (فقرة 156) والذي كان حادّ البصر كزرقاء اليمامة، وله في الحيلة، ولكنه أعان حاكما من الفرنجة على أذى المسلمين، فقتلته زوجته لخيانته… إشارة أخرى لدور النساء العظيم! ويشير إلى أن نساء الفرنجة جنس ملعون لا يألفون لغير جنسهم، فامرأة منهم فضلت اسكافيا على أمير لها منه ولد صار صاحب قلعة!

 

وتعتبر الفقرات من 161- 175 من أهم الفقرات لمن أراد معرفة أحوال الفرنجة الذين خالطهم أسامة عن قرب فوصف أحوالهم من معتقدات دينية أو طريقة علاجهم وطبهم أو ظروفهم الاجتماعية وطريقة لهوهم ولعبهم ومبارزاتهم والتقاضي الظالم عندهم حتى فيما بينهم، فترى العجب العجاب، وتسأل نفسك: كيف تمكن هؤلاء الأوباش من حواضر المسلمين في بلاد الشام؟ ويحضر الهاجس القوي: إذا كانوا قد فعلوا ذلك ببلادنا وهم كما وصفهم أسامة من التخلف والهمجية والقذارة، فكيف وقد صاروا أهل العلوم ورواد الاختراع؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.