شعار قسم مدونات

أيها العقلاء.. أُوصيكم بالجُنون!

blogs أصدقاء، جنون

لكل شيء في حياتِنا يوجَد مُشَغّل وأصلُ طاقةٍ لَه، والطاقة في هذا العالَم لها عِدة أنواع مُختلِفة؛ إما طاقة كهربائية أو حرارية أو نوويّة أو كيميائيّة أو رِياحيّة أو مائيّة أو بتروليّة أو روحيّة، وغيرهم أيضاً.. فالطاقة هي إحدى صور الوُجود؛ والكون مُكوَّنٌ مِن أجرامٍ وطاقة، أي أنه لا حياة في شيء إلا في وُجود الأصل المُشغّل لَه، وبدونه سَيكون الشيء بِلا حِراكٍ وبِلا قُوة وبِلا حَياةٍ تَجري في ذَرّاته لِيَقوم بِعَمله. وبَعد تَوفّر هذا كُله.. سَيكون مِن المَطلوب أن يُوجَد ما يَقوم بِتَحفيز هذه الطاقات بِقوة، إنه (الجُنون).

الجُنون الذي يَستَطيع أن يَتَدخّل في أي شيء لِيُحوله إلى حَياةٍ مُنتَعِشة ويكون المُحرّك الأساسي لِتبدأ بِقوة، الجُنون الذي يَظلِمه الكَثيرون بِنَعتِه بالمَرض فَقط واستِبعاد أن يَكون عِبارة عَن أساسٍ لِشيءٍ ثَمين لَو نَظرنا لَه مِن الزاوية الصَحيحة ولَو كان استخدامه بالطريقة الصحيحة وليس المَقصود بأن يَفقد الشَخص عَقله ولا بأن يَترك الالتزام بالقَواعِد الأساسية كالدِين والأخلاق مَثلاً، افتح له الأبواب وكُن مُتهيء لاستِقبال نَبضاتِه التي سَتُحيي عُروقك وتَدفعها للإنجاز والإنتاج المُختَلِف والمُغايِر والمَليء بما يَلزَم لِتُعطي مِنه حَتى مَن حَولك. لا تَعتَبر أن الجُنون مُخجِل وأن مَن يَتَجرّع الجُنون يكون مَجنوناً لا عَقل فيه ولا تَفكير، لا تَستَغرِب فإنه حَتى الجُنون يُمكِن أن يأتي بِشَكلٍ هادئ، بَل ورُبما بِمعادلةٍ ما سيتكون هذا الشخص الذي اتّخذ الجُنون كَمُساعِدٍ لَه في أموره؛ سَيكون هو الشَخص المُتوازِن هو العَقلاني الذي يَمتَلك الطاقة السِريّة ليُشَغّل كُل ما فيه لِخِدمة نَفسِه ولِيجعل ما يُقدّمه مِن إنتاجٍ يَكون ليس كَمِثلِه.

حتى أن العَلاقات والعَمل والحياة اليومية والإقبال على بعض الخُطوات واتخاذ بعض القَرارات تَحتاج للقليل مِن الجُنون، وحتى مُجرّد التَفكير بِهديّة لِحبيبك.. مُفاجأة رَفيقك.. رِحلة مَع أصدقائك.. استقرارك في بَلدٍ آخر.. تَغيير عَملك.. اختيار شَريك حياتك.. الاستغناء عَن بَعض ممتلكاتك.. اختيار تَخصص دِراستك.. صِياغة بَعض جُملك.. قِيادة مَجموعة ما.. تَنفيذ فِكرةٍ ما.. والكثير غيرهم؛ عِندما تَقوم بِهم فإنك لا شُعورياً تكون قَد استَخدمت الجنون الذي بِداخِلك بِنسبةٍ تتوافق مَع شخصيتك ومع الموقِف ومع مَن تَتعامل مَعه ومع الزّمن والظروف التي حَولك.. لكنك تَستَطيع أن تَجعل كَمّ الإثارة أكثر ورُبما سَيكون مِقدارُ نَجاحِك أعلى ومِعيارُ التَميّز فيما تَم تَقديمه سَيكون أكبر إذا جَمعت جُنونك واستخدمته بِذكاء، واعلَم أن الجُنون والذَكاء لا يَتنافران ولا يَتضادّان.

الشَغفُ والمُثابرةُ والجِدِيّةُ والتَفاني والإخلاصُ لو كانوا كُلّهم مُجتَمِعون لَوَقفوا يَنظُرونَ لِأنفُسِهِم ويُقَلِّبون بَينَهُم نَظَراتِهم المُتَقاطِعَةِ بِرَمشَةِ جِفْن، يَنتَظِرونَ الرُوحَ المُحَرِّكةَ لِتُحيِيهِم

يا مَن يَظُن بأن العَقل الناضِج الواعي يَكون خالٍ مِن أشكال الجُنون؛ فإني أقول لَه لو أنك الآن بكامِل صفاء تَكوينك الخالي مِن أي نَوعٍ مِن الجُنون لَكُنت حالياً في بُرجٍ بَعيدٍ مُنعَزِل عَن العالَم ومُغلِقٌ على نَفسِك لِكي لا تُجبَر على التَعامل مع أحد ولا تَختَلِط مَع ما حولك وتَمشي فوقَ أرضٍ عليها ما عليها مِن المَشاكل والأمراض والاضطرابات والتَضارُب الفِكري والتَغيير المَناخي والمخلوقات المُفترِسة والبكتيريا والفيروسات والتَلوُّث.. هذا كُله وغيره أيضاً أنت وأنا نَخوضه ونَتعامل مَعه يَومياً وبِكَثرة، كُلٌ حَسب بيئته ونَمط حياته. إذاً فَأنا وأنت نَستَخدِم الجُرأة وبَعض المُخاطَرة المولودون أصلاً مِن رَحم جُنون مُهذَّبٍ مُفيد.

فَلو ضَربتُ مِثالاً صَغيراً على عَملي في المجال الفَنّي فإنه لا يَكتَمِلُ العَمل الفَنّي ولا يُتقَن إلا بِوجودِ الجُنون، فالشَغفُ والمُثابرةُ والجِدِيّةُ والتَفاني والإخلاصُ لو كانوا كُلّهم مُجتَمِعون لَوَقفوا يَنظُرونَ لِأنفُسِهِم ويُقَلِّبون بَينَهُم نَظَراتِهم المُتَقاطِعَةِ بِرَمشَةِ جِفْن، يَنتَظِرونَ الرُوحَ المُحَرِّكةَ لِتُحيِيهِم وتَصنَعُ مِن اجتماعهم خَلطَةً يَنتُج عَنها الفِكرَةُ السّاحِرة والحَبكةُ العَطِرة واللون المُناسِب والصّوت المُتَناسِق والشّكلُ اللائِق لِيَجري كُل شَيءٍ في شَرايينِ العَمل ويَبُثّ الطّاقة والحَياةَ في كُلِّ جُزءٍ مِن جِسمِ المَشروع حَتى الأطراف، إنّ كُلّ شَيءٍ يَحتاجُ إلى أصلٍ حَتى يَكونَ مَوجوداً والجُنون هو بِذرَةُ عَمَلِنا لِيَكونَ مَوجوداً. فَعَليكُم بِالجُنون أيُّها العُقَلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.