شعار قسم مدونات

ضحايا الحب.. لماذا دائما نلقي باللوم على الطرف الأخر؟

blogs طلاق خلاف

كثيراً ما أفكر لماذا يتزوج الناس في وقت متأخر من أعمارهم ومنهم لا يتزوج أبداً، وتكثر الأسباب وتتشابك القصص وتحمل في طيات كل حكاية وجع عميق لا يمكن ترميمه إذا تنازل المحبون عن قضيتهم، وسيتداوى الحب إذا ما قرر أولئك المخلصون احترام الأيام المجيدة.. وأين هم كي يتفهموا بعضهم بالطريقة التي تعتبر الزواج تحصيل حاصل وهو نتيجة الحب المقدس.

القلق يجتاح الناس ويكسر آمالهم بسبب العادات والتقاليد المجتمعية التي تجد صعوبة بالغة في استيعاب التغييرات الثقافية والفكرية لدى الشباب وهذا ما يؤثر دوماً على دورة حياة الحب وخصوصاً في البلدان العربية، وهنا لا بدُ الإشارة إلى أن الحب يرفض الاندماج بقوانين الآخرين، إضافةً لجوهره الذي لا ينصاع للمحددات. وكي نكون صريحين في بعض الأحيان نضع الأسباب على المجتمع كي نهرب خوفاً من الحب، لأننا نحبذ الانضمام إلى فصيلة المتخاذلين وكأن الحب سيلجم حريتنا ويقيد حياتنا ويدمر شبابنا، هكذا نظن لأننا نرفض المقاومة ونرضى الركوع للظروف لأننا نختار القرارات البسيطة التي يكتنفها الوضوح دون مغامرات دون تحمل ودون التزام أخلاقي بالحب.

وكم نجد من ضحايا للحب يموتون وهم أحياء لأن طرفا العلاقة يضعان اللوم على بعضهما البعض لا على الظروف التي سرقت منهما مشاعرهما، الأمر الذي يجبر حاسبة الحب أن تحصي موتاها الجبناء الذين فروا من ثاني أو ثالث نكبة تعرضوا لها. من يحب يجب أن يحارب لأجل أن يتحول ذلك الجوهر المقدس إلى حياة روحية عميقة ترافق أحلامهم إلى الأبد، من يحب عليه أن يفهم ويتفهم يصبر ويصطبر، يحوي ويحتوي الحبيب دونما انتظار للوفاء، وكم كنا نردد الشعارات ثم ننزلق نحو الهاوية من أعلى مراتب العشق.. وأي سقوط مدوٍ ينسف معه موسيقى الحب.

الاستغراب هنا!
من يضحي بالحب في مراحل نكبته، لن يتمسك به بعد انتقال الحبيبين إلى بيت واحد، ومن يدعي الجفاء دون أن يحاول إصلاح ما تم إفساده سيوقّع قريباً على قائمة ضحايا الحب في العالم

لا يكون في مدى تقبل الناس العاديين للحب بل في مدى إصرارهم للدفاع عن قضيتهم أو في مدى استسلام المحبين ودفنهم لتلك المشاعر العظيمة التي كانت في وقت سابق تهز قلوبهم وتمدهم بأوكسجين الحياة. وهنا يكمن الخطأ المصيري في نسيان المحبين لقيمهم الإنسانية كالوعد والوفاء والتضحية، ولن تكون تلك القيم أكثر من شعارات زائفة يرددوها في أوقات الهناء وعندما يجري الماء دون اصطدامه بصخور الحياة، هذه هو درب البائسين الذين سيتركون الحب يُقتل ويقتلهم بسهولة، يختارون درب الضامنين للهدوء، ويرضون بعبارة "إبعد عن الشر وغنيلو".

أعرف شباب اختاروا الاستسلام لنظرات الناس إليهم لأنهم يعيشون وسط طبقة اجتماعية وثقافية معينة، ولا يرضى آبائهم دون ذلك النوع من الزواج التقليدي، وعاشوا طوال حياتهم ينتظرون أن يأتي الليل فينقضي اليوم دون أن يزلزل أرواحهم بجمال الحب. وأعرف فتيات اخترن التنازل عن الحب العظيم خشيةً من الدخول في معمة "القيل والقال" فقبلن أن يتركن مشاعرهن من أجل تلك الحياة المؤقتة التي تسمح لهن بأن يعيشوا كما هن وكيفما يشأن فاستسلمن للاختلافات واعتبرن ذلك تهديد حقيقي لمستقبلهن.

بؤس هنا وهناك وكثيرون يقتلون الحب ولا يكترثون سوى لحياتهم وهدوئهم الوردي على حساب أعظم نعمة خلقها الله بقلوب وأرواح البشر، من يضحي بالحب في مراحل نكبته، لن يتمسك به بعد انتقال الحبيبين إلى بيت واحد، ومن يدعي الجفاء دون أن يحاول إصلاح ما تم إفساده سيوقّع قريباً على قائمة ضحايا الحب في العالم.

وفاق ورفاق

ما أجمل أن يتفهم الحبيبان الاختلافات ويصبران على محطات القطار الصعبة، يحاولان تقريب وجهات النظر، يتعاملان بالوفاق مع من يعترض على علاقتهما، يشرحان ليس لأنهما ضعيفان بل لأنهما يحترمان ذواتهما ويقدران من حولهما، لأن الحب يمدهما بالتسامح والعطاء حتى مع من كان عائقاً في طريقهما، ما أجمل أن يتواصل الحبيبان، كي يطفئا ذلك الشوق الحارق لأرواحهما، وكم هو جميل أن يجلسا فينظرا لأنفسهما بعيون بعضهما فيولد انعكاس لقطرات الدموع القديمة التي تقول أحبكِ يا من وعدتك ووعدت نفسي أن لا نفلت يدانا مهما كلفنا الأمر.

في الوهلة الأولى نبالغ بمشاعرنا ونتأثر وقتياً ونحب بلا تفكير، نضحك لأننا مثاليين، ثم نفشل في فهم الحب عندما يتصادم مع رغباتنا الأنانية، نفقده ونعلن هزيمتنا عندما الصفعة الأولى
في الوهلة الأولى نبالغ بمشاعرنا ونتأثر وقتياً ونحب بلا تفكير، نضحك لأننا مثاليين، ثم نفشل في فهم الحب عندما يتصادم مع رغباتنا الأنانية، نفقده ونعلن هزيمتنا عندما الصفعة الأولى
 

ما أجمل أن نصل إلى مرحلة عالية من الوعي ونحترم مشاعر من يكترث لمستقبلنا، أن لا نفترق عن من تعب وضحى من أجل تربيتنا ثم اقتنع بمسارنا الجديد، حينها سنقدرهم ولن ننسى موقفهم الذي سيبقى صادقاً في دعائنا لهم، ويمضي ليمدنا بالخلق الحسن أثناء معاملتنا لهم، وتستمر الحكاية بتمسكنا بهذا الحب وعدم التفريط بعد كل التحديات واللحظات الحزينة، والأجمل من هذا كله أن نحمد الله الذي مزج أرواح المحبين وأوصلها بروحه المقدسة. 

أما أولئك الخائفين الذين يخشون المستقبل نتيجة لاهتزاز الثقة في العلاقة، فأولئك دائماً سيختارون الهروب من الواقع وترك الحلول، أولئك سيعيشون في دوامة من الوهم، سيكرهون الحب ويحاولون تشويه جوهره في كتاباتهم وتخدير عقول العشاق بخطاباتهم.

مستشار ناجح وحبيب فاشل

في بعض الأحيان أقول "ربما نفهم الحب لكن لا نعرف كيف نوصله لمن نحب". نعم هي الصدمة الكبرى أن تكون مستشاراً لأصدقائك وتعالج مشاكلهم مع حبيبتاهم وتجلس أنت وحدك كل ليلة حائراً تائهاً تحاول الوصول لنصفك الآخر فلا يسمعك، لا يريد أن تعود تلك الذكريات، ويبتعد عنك كلما تقربت منه، وقد كان في وقتٍ مضى يتقرب منك كلما ابتعدت عنه، لكنها عدالة الحياة لمن يتعلم فيعترف ثم يقرر العودة إلى الوطن، ذلك المكان المدجج بحكايات الحب الخالدة.

من لا يحترم ذاته لن يستطيع احترام الحب، وهنا نخلط بين أنانيتنا وبين مشاعر الحبيب، نريد الانتصار لأنفسنا التي لا تفقه معنى الحب، نريد الضمانات، نطلب بالاتفاقيات، نخشى المستقبل ونختار المسارات الأكثر سهولة

نكتب كي نرسم لوحة الحروب الداخلية التي تخدش الأرواح وتأسرها في سجون مظلمة فما تكون قادرة على ترقيع الذكريات مع شديد الأسف، وما زلت لا أرضى الاستيقاظ من حلمي الذي يناديني أن لا أتوقف، أن أحترم الحب حتى وإن كثر ضحاياه، ولا بُد أن أفصح عن عبارة كتبتها منذ زمن بعيد وخبئتها كي لا أحبط المحبين، لكن ما عادت تنفع أن تُدفن في جوارحي فقد كتبت " قدسية الحب بكثرة الساقطين في مقبرته، ونجاة القلة من المحاربين لأجله". فمن سيتشرف ويتجرأ على تسلم راية المحاربين الذين لا يتنازلون عن الحب حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم، حتى وإن تسبب في تعذيبهم سنوات، وإن حطم الكثير من مشاعرهم في فترة إنكار صامتة، لكنهم أصروا أن يمسكوا يد أحبابهم.

أين هم المخلصون للحب.. أين هم المنقذون للحب؟

في الوهلة الأولى نبالغ بمشاعرنا ونتأثر وقتياً ونحب بلا تفكير، نضحك لأننا مثاليين، ثم نفشل في فهم الحب عندما يتصادم مع رغباتنا الأنانية، نفقده ونعلن هزيمتنا عندما الصفعة الأولى، وننتقل إلى مرحلة السماح لانجرافه نحو البكاء، ذلك الشعور المؤلم الذي يغزونا بحرقته في الدُجى … آه ذلك الظلام الذي كان يمنحنا الأمل رغم سواد لونه، كان يمنحنا الحلم، كان يمنحنا عبارة أصبحُ عليك وعلى صورة فور فتح الإنترنت، نسافر ونعمل ونقاوم المخاطر فقط لأجل ذلك الوجه الباسم في الصورة التي تراها فتمدك بالقوة والأمل.

الوجه الأخر من الأنانية

من لا يحترم ذاته لن يستطيع احترام الحب، وهنا نخلط بين أنانيتنا وبين مشاعر الحبيب، نريد الانتصار لأنفسنا التي لا تفقه معنى الحب، نريد الضمانات، نطلب بالاتفاقيات، نخشى المستقبل ونختار المسارات الأكثر سهولة لنرتاح قليلاً، نفكر بحريتنا وشكلنا أمام الناس ونتناسى ذلك الصابر الذي يراقب ويضع آلامه في صدره، نفكر أن من يخطأ يجب أن يشعر بالخطأ نعم يا سيدتي نحن نخطأ ونندم ومن لا يندم لا يتعلم، نحن الرجال نعترف بأننا مقصرون، فهل بإمكانك نسيان ذلك وتذكر المواقف العظيمة التي عشتها معي، هل يمكنك تخيل المخاطر التي واجهتها بصمت كي لا تقلقي، وكيف لك أن تنسي الصور ويدي تشبك يدك.

لا داعي للدبلوماسية

لا مقابل في الحب، لا مساواة في الحب، ولا توازن في الحب، من يحب يجدر به أن يتنفس حبيبه أن يستنشقه دون انتظار أي رد للجميل منه، وهنا يسقط الكثيرون لأنهم تناسوا تلك الكلمات التي كتبوها في الرسائل، تلك الحروف التي نقشوها في ذاك الكتاب الأحمر الذي يقسم وجه الكاتب بين فترة الحب وفترة البقاء إلى الأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.