داريا السورية.. قتل وحصار وتشريد

مدينة سورية تاريخية تقع بالقرب من العاصمة دمشق، يحفل تاريخها بإشعاع حضاري ومعرفي على مرّ العصور. سجل أبناؤها حضورا مبكرا وقويا في الثورة السورية، فدفعوا ضريبة صمودهم غالية حيث سقط منهم آلاف القتلى والجرحى وشرّد عشرات الآلاف.

الموقع
تقع داريا في ريف دمشق على بعد ثمانية كيلومترات إلى الغرب من دمشق، يحدها من الشمال معضمية الشام والمزة، ومن الغرب جديدة عرطوز، ومن الجنوب صحنايا، ومن الشرق منطقة كفر سوسة وحي القدم الدمشقي.

تعد مدينة داريا أكبر مدن الغوطة الغربية، حيث تبلغ مساحتها 30 كيلومترا مربعا، ويتبعها إداريا ناحية صحنايا و"تجمع بناء الكويتي" و"تجمع 8 آذار" ومدينة معضمية الشام، إضافة إلى المنطقة الصناعية الغربية. 

السكان
يتجاوز عدد سكان مدينة داريا 255 ألف نسمة بحسب إحصاء عام 2007، وتعود تلك الكثافة السكانية إلى قربها الكبير من مدينة دمشق، مما جعل العديدين يختارونها للسكن، لكن هذا العدد تقلص بصورة كبيرة وتغيرت المعادلة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وبحسب إحصائيات المجلس المحلي للمدينة عام 2016، لم يتبق من سكان داريا سوى 12 ألف نسمة يشكلون 1300عائلة بينهم 500 طفل. وغالبية سكان داريا مسلمون، وتوجد طائفتان مسيحيتان في المدينة هما الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك.

الاقتصاد
يعمل معظم سكان داريا في الزراعة، وتربية الماشية، كما يوجد فيها عدد من المنشآت الصناعية يعمل فيها عدد من السكان.

التاريخ
يعود تاريخ داريا إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، وتدل الآثار التاريخية على ذلك، حيث عثر على تمثال لإله الحب عند اليونان (آيروس)، وهو موجود في المتحف الوطني.

ويرتبط وجود المدينة بوجود دمشق التي هي أقدم عاصمة في التاريخ، أما اسم "داريا" فهو كلمة سريانية تعني البيوت الكثيرة، وهي مشتقة من كلمة دار، والنسبة إليها داراني. 

وحين جاء الفتح الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، كانت داريا كبر قرى أهل اليمن في غوطة دمشق وأقاليم الشام، وتأثرت بمعظم الأحداث التي اعترت الحكم الأموي والعباسي وما جرى خلالهما من وقائع سياسية وعسكرية، وكانت ذات حضور في أغلبها.

داريا الثورة
سجلت دوريا حضورا مبكرا وقويا في الثورة السورية منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية عام 2011، ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وكانت أولى مظاهراتها يوم الجمعة 25 مارس/آذار 2011؛ ثم ما لبثت أن تمددت المظاهرات فيها وأصبحت تخرج بشكل مُنتظم، وأصدر شباب داريا جريدة  للتوعية بالثورة على النظام أطلق عليها اسم "عنب بلدي"، وهي جريدة أسبوعية ظلت تُوزع بشكل سري خوفا من الشبيحة.

وفي يوم "الجمعة العظيمة" التي وافقت يوم 22 أبريل/نيسان 2011، فتحت قوات الأمن النار على المُتظاهرين في داريا فسقط سبعة قتلى، وكثفت بعدها الحواجز الأمنية في المدينة، وما لبثت أن قطعت الاتصالات عنها وفرض حصار مشدد عليها، وتعرض المئات من أبنائها للقتل والاعتقال.

وبحلول مارس/آذار 2012، بلغ عدد القتلى من المدنيين 360 قتيلا سقطوا برصاص قوات الأمن التي اعتقلت أيضا أكثر من 780 مدنيا.

وفي يوم السبت 25 أغسطس/آب 2012 الذي سمي لاحقا "يوم السبت الأسود"، شهدت داريا مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من ثلاثمئة قتيل من أبناء المدينة وسكانها، غالبتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

وبعد أسابيع قليلة من المجزرة المروعة، تأسس المجلس المحلي لمدينة داريا يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012 "بهدف تجميع الجهود الثورية والعسكرية في إطار تنظيمي يتجاوز نقاط الضعف والفوضى والتشتت السابق في العمل".

دفعت درايا ضريبة صمودها أمام بطش النظام الذي جرب كافة الوسائل من قصف واقتحام وحفر أنفاق بهدف تحقيق تقدم، ولكن دون جدوى، وحتى أبريل/نيسان 2016 دمرت قوات النظام أكثر من 80% من بنى المدينة التحتية، حيث استهدفت بأكثر من ستة آلاف برميل متفجر، وأبقت على الحصار المستمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

المصدر : الجزيرة