البوكمال السورية.. أسسها العثمانيون واستعمرها الفرنسيون وسيطر عليها موالون لإيران

مدينة البوكمال سوريا المصدر: ويكيبديا
مدينة البوكمال (ويكيبديا)

تقع مدينة البوكمال في محافظة دير الزور شمال شرق سوريا. تعتبر إحدى المدن الهامة في هذه المنطقة، لقربها من الحدود العراقية السورية. تأسست في العهد العثماني، وبالضبط في ستينيات القرن التاسع عشر، وازدهرت بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وانضمت إلى الثورة السورية منذ انطلاقتها في مارس/آذار 2011.

سيطر عليها الجيش السوري الحر عام 2012، ثم تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، واستعاد الجيش السوري السيطرة عليها عام 2018 ثم حكمتها مليشيات متفرقة موالية لإيران.

الموقع والجغرافيا

تقع مدينة البوكمال على الضفة الشرقية لنهر الفرات، في ريف محافظة دير الزور الشرقي في شرق سوريا، وتتكون منطقة البوكمال من ثلاث نواح هي هجين والسوسة والجلاب، ومركز المنطقة مدينة البوكمال، التي تقع على بعد 110 كيلومترات من مدينة دير الزور، إضافة إلى عشر بلدات وخمس بلديات و18 قرية.

تحد البوكمال من الشمال محافظة الحسكة ومن الشرق العراق. وتعدّ نقطة إستراتيجية بسبب موقعها الجغرافي المهم، إذ تمثل بوابة لدخول سوريا من العراق ومنطقة تجارية مهمة لتبادل البضائع بين البلدين.

وتتنوع جغرافيا المدينة ما بين الأنهار والجبال والوديان الخضراء. ويحتل نهر الفرات مكانة عالية في المدينة، إذ يستخدم في الزراعة وتوفير المياه العذبة للسكان. كما تضم المدينة أراضي زراعية خصبة تنتج العديد من الفواكه والخضروات.

خارطة سوريا موضح عليها مدينة البوكمال الحدودية مع العراق
خارطة سوريا موضح عليها مدينة البوكمال الحدودية مع العراق (الجزيرة)

التسمية

يعود أصل تسمية البوكمال إلى اسم عشيرة "البوجمال"، وهي من عشائر العقيدات، ويلفظ اسم المنطقة بالبوكمال والبوجمال.

السكان

بلغ تعداد السكان في منطقة البوكمال عام 2004 نحو 265 ألف نسمة، وزاد عام 2014 إلى نحو 340 ألف نسمة وفق الإحصائيات الصادرة عن المكتب السوري المركزي للإحصاء.

والعربية هي اللغة الرسمية والأكثر استخداما في بوكمال. مع تحدث بعض السكان بالكردية والتركية، كما أن الدين الإسلامي هو الدين السائد في المنطقة مع وجود أقليات دينية أخرى.

الطقس

تتمتع البوكمال بمناخ حار، فصيفها حار وجاف، وتتراوح درجات الحرارة بين 35 و45 درجة مئوية نهارا، وتنخفض إلى 25 درجة مئوية ليلا، ويعد شهر يوليو/تموز أكثر فصول السنة حرارة.

أما شتاؤها فممطر وبارد، وتتراوح درجات الحرارة فيه بين 5 و15 درجة مئوية نهارا، وتنخفض إلى الصفر وما دونه ليلا، وتهطل الأمطار فيه بكميات تتراوح بين 150 و250 ملم سنويا.

مدينة البوكمال سوريا المصدر: ويكيبديا
يعود أصل تسمية البوكمال إلى اسم عشيرة "البوجمال"، وهي من عشائر العقيدات (ويكيبديا)

التاريخ

يعود تاريخ البوكمال إلى ستينيات القرن التاسع عشر الميلادي، إذ بدأت بالتكون حول بعض الخانات القديمة التي كانت تعرف باسم "الغابر"، وتطورت في سبعينيات القرن التاسع عشر حين جعلت منها الدولة العثمانية قضاء، وأحدثت فيه محكمة ابتدائية ثم بنت فيه ثكنة عسكرية.

وتحولت بعد ذلك إلى قرية كبيرة في الوسط العشائري، فأصبحت محطة القوافل من حلب إلى بغداد، كما صارت صلة وصل بين البادية السورية والجزيرة الفراتية السورية والعراقية.

ثم أقدمت الحكومة العثمانية على بناء دار للحكومة ومركز للهاتف والبريد ودار للقائم مقام ومدرسة زراعية، وذلك بحلول عام 1904.

وبعد خروج الأتراك من المنطقة -إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى– تداول الإنجليز والفرنسيون السيطرة عليها؛ إذ حكمها الإنجليز أولا حتى أخرجوا منها في ديسمبر/كانون الأول 1919 بثورة نظمها أهالي البوكمال، ثم خلفهم فيها الفرنسيون من عام 1921 وحتى انسحابهم من سوريا 1945.

تطورت المدينة عمرانيا -في ظل حكومات ما بعد الاستقلال- بشكل سريع، خاصة منذ سبعينيات القرن العشرين؛ فهُدم قسم كبير من بيوتها الطينية وأقيمت بدلا منها أبنية إسمنتية.

وإثر الغزو الأميركي للعراق عام 2003؛ حاولت قواتها الوصول إلى البوكمال لملاحقة عناصر المقاومة العراقية التي كانت تلوذ بالأراضي السورية، ومن ذلك الإنزال الجوي الذي نفذته هذه القوات جنوبي المدينة فجر يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وتصدى له الأهالي فدخلوا في اشتباك مسلح مع الأميركيين؛ مما أسفر عن مقتل وجرح نحو 12 جنديا منهم.

مدينة البوكمال سوريا
تطورت المدينة في ظل حكومات ما بعد الاستقلال (مواقع التواصل الإجتماعي)

الثورة السورية

اندلعت الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد في مارس/آذار 2011، وانضمت منطقة البوكمال إلى الثورة مبكرًا منذ انطلاقتها، وشاركت في المظاهرات السلمية، وتشكلت فيها تنسيقية تهتم بالحراك المدني الثوري والإغاثي في المدنية.

وفي يوم 17 يوليو/تموز 2011 شهدت المدينة انشقاقات لطواقم عسكرية، وطواقم 4 مركبات مدرعة انضموا إلى صفوف الثورة، ورد الجيش السوري بمحاصرة المدينة في اليوم التالي وإجراء عمليات إنزال عسكري، لكن عاد الهدوء إلى المدينة عقب مفاوضات قيادات عسكرية وسياسية مع بعض وجهاء المدينة.

وفي سبتمبر/أيلول 2012 تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على مقر كتيبة الدفاع الجوي بعد اشتباكات ومواجهات قتل فيها قائد الكتيبة وأُسر 50 جنديا وعدد من الضباط، كما سيطر على كتيبة المدفعية في البوكمال، وغنم ذخائرها وأسلحتها.

وبعد شهرين تمكن الجيش الحر من السيطرة على مدينة البوكمال كاملة، وذلك عقب سقوط مطار الحمدان العسكري، آخر معاقل قوات النظام في المدينة، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وكانت جبهة النصرة قد وصلت إلى دير الزور عام 2012 بعد اشتداد القتال المسلح مع النظام وغياب الدعم، وانضم إليها مقاتلون من المدينة فأصبحوا يشكلون 80% من قوات النصرة في الدير، وأحدث التعاون بين الجبهة والجيش الحر نجاحا متزايدا في عمليات الثوار.

وبعد إعلان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية آنذاك أبو بكر البغدادي عن انضمام جبهة النصرة إلى التنظيم يوم 9 أبريل/نيسان 2013، رفض أبو محمد الجولاني هذا الإعلان وأصر على استقلال الجبهة.

مع الوقت بدأت تحدث انقسامات في التنظيم، ففي يونيو/حزيران 2014 بايع فصيل تابع لجبهة النصرة البغدادي، وأصبح تابعا لتنظيم الدولة.

وفي مطلع يوليو/تموز 2014 هاجمت قوات تنظيم الدولة الإسلامية مدينة البوكمال واستطاعت السيطرة عليها بعد 4 أيام من القتال أدت إلى انسحاب كامل مقاتلي مجلس شورى المجاهدين في المدينة.

في سبتمبر/أيلول 2017 تمكنت قوات النظام مع حلفائها من استعادة السيطرة على مدينة دير الزور، ومن ثم أكملت سيطرتها على الريف الغربي والشرقي للمدينة يمين نهر الفرات.

ثم قاد الحرس الثوري الإيراني قوات مشتركة تمكنت من السيطرة على المنطقة الحدودية مع العراق ومدينة البوكمال، وذلك في نوفمبر/ تشرين الأول 2017.

بعد عام حاول تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم على محافظة الدير واستعادة السيطرة على البوكمال، إلا أن مقاتليه لم يتمكنوا من ذلك، إذ دارت معارك طاحنة في المنطقة انتهت بسيطرة النظام على المحافظة ومدنها.

واستقرت بعد ذلك ميليشيات موالية لإيران في منطقة البوكمال، فانتشرت مقرات لميليشا "لواء فاطميون" في منطقة الجمعيات داخل المدينة، ويقدر عدد عناصرها بـ150 عنصرا.

كما يتمركز 100 من عناصر حزب الله اللبناني في المربع الأمني، مع تمركز لمليشيا لواء أبو الفضل العباس ومليشيا حركة النجباء ومليشيا "عصائب أهل الحق" في بلدة الهري قرب المدينة، وتقدر أعدادهم بـ200 مقاتل، كما تتمركز مليشيا الفوج 47 في مدينة البوكمال وباديتها ومحطة "تي 2" التي تبعد عن المدينة 70 كيلومترا.

الاقتصاد

تحظى البوكمال بمكانة تجارية مهمة؛ كونها مدينة حدودية تمر بها طريق دولية على مجرى الفرات تصلها بدير الزور في الشمال وبالحدود العراقية في الشرق، وتتوسطها سوق رئيسية وأسواق ثانوية تعج كلها بالحركة التجارية النشطة.

وإضافة إلى التجارة، يقوم اقتصاد المدينة ومحيطها على الزراعة المعتمدة على الري بالضخ، ومن منتجاتها الزراعية القطن والرمان والمشمش والتفاح والتوت والبرتقال والليمون، والخضراوات كالباذنجان والطماطم والقرع والفول والفستق.

كما تنتشر فيها صناعات الأثاث الخشبي ومواد البناء، ومحلات صيانة الآلات الزراعية وإصلاح السيارات.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية