ما هي الفاشية؟

A placard reading "Salvini, expecting you," with a picture of Italian wartime dictator Benito Mussolini, is held up at a rally held by Northern League party leader Matteo Salvini in Rome, February 28, 2015. REUTERS/Max Rossi (ITALY - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
بعد وصول موسوليني للسلطة ألغى الأحزاب والمنظمات النقابية ومنع كل نشاط لغير الفاشيين (رويترز)

تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، ظهر في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، له نزعة قومية عنصرية تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس، ويرفض نموذج الدولة الذي ساد أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر القائم على الليبرالية التقليدية والديمقراطية البرلمانية التعددية.

الأصول
تعود أصول الفاشية إلى التحولات الكبرى التي عرفتها أوروبا في القرن التاسع عشر مع رسوخ فكرة الدولة الوطنية وبلوغ الحقبة الاستعمارية مراحلها الأخيرة. بيد أنَّ الشرخ الكبير الذي أحدثته الحرب العالمية الأولى داخل الأسرة الأوروبية وتقسيمها إلى منهزم ومنتصر، ثم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أعقبت الحرب، أدت إلى تغول النزعات القومية المجروحة بمرارة الهزيمة والطامحة إلى استعادة بعض من الكرامة الوطنية الضائعة. 

القواسم المشتركة
تمايزت الفاشيات الأوروبية فيما بينها نتيجة السياقات الوطنية المحلية التي أنتجت كل واحدة منها، ومع ذلك فإن لها خصائص مشتركة أبرزها رفض الديمقراطية البرلمانية والتعددية السياسية وتعويضها بنظام شمولي استبدادي يُشكّل رئيس الدولة نواته الصلبة ومصدر السلطات فيه، حيث تعطي الفاشية السلطة التنفيذية أفضلية كبيرة على حساب بقية السلط الأخرى.

وتقوم الإيديولوجية الفاشية على تبجيل هيبة الدولة والقائد والتركيز على التعصب للوطن.

كما ألغت الفاشية الحرية الاقتصادية، ورفضت حقيقة أن المجتمع مكون من طبقات متباينة، وبناءً على ذلك رفضت الفاشية التنظيم النقابي وعوضته بهياكل تنظيمية تضم العمال وأرباب العمل على حد سواء.

وتشترك الفاشيات الأوروبية في خصائص عديدة منها طابعها العنصري الممجد للنزعة القومية داخليا والهيمنة الإمبريالية في السياسة الخارجية، كما أنها تُسوّق فكرة وجود عدوّ خارجي وداخلي ليكون ذلك حافزا على تحقيق الوحدة الوطنية. 
وقد كانت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية أشهر نموذجين لهذا الفكر الاستبدادي.

الفاشية الإيطالية
تعود جذور الفاشية الإيطالية إلى حرب الوحدة التي انتهت عام 1870 بضم العاصمة روما. ومع اكتمال الوحدة الترابية، برز إشكال هوية حاد أججه التباين الكبير بين سكان إيطاليا اجتماعيا واقتصاديا وعرقيا.

استغل بينيتو موسوليني الوضع وأسس جماعة متشددة في ميلانو عرفت بالفاشية، تصاعد نفوذها فأصبحت حركة سياسية منظمة استطاعت إيصاله إلى البرلمان عام 1921 ثم شكل فرقا مسلحة من المحاربين القدامى سُميت "سكوادريستي" لإرهاب الاشتراكيين والشيوعيين.

وفي عام 1922 صعد حملته وبدأ تنظيم مظاهرات كبرى شارك فيها آلاف من أصحاب القمصان السود (شعار الفاشيين الإيطاليين) في رحلة للزحف، رافعا شعار "إما أن تُعطى لنا الحكومة أو سنأخذ حقنا بالمسير إلى روما".

وتوجه ما يقارب أربع عشرة ألف فاشي إلى روما بالقطارات والحافلات، فناشد رئيس الوزراء الملك أن يعلن حالة الطوارئ لكن الملك رفض ذلك، وفي أعقاب موجات عنف وفوضى كلف موسوليني بتشكيل الحكومة.

وبعد الوصول إلى السلطة ألغى موسوليني الأحزاب والمنظمات النقابية ومنع كل نشاط لغير الفاشيين وقمع كل خصومه ونصب نفسه القائد الأوحد.

وعلى صعيد السياسية الخارجية، نهج موسوليني سياسية عدوانية تقوم على المغامرة إذ احتل إثيوبيا، ودعم الجنرال فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وربط صلات وثيقة بألمانيا النازية وتحفز لدعمها في بواكير الحرب العالمية الثانية، التي خسرها الحليفان وسقطت الفاشية مع دخول قوات الحلفاء روما عام 1943 وأُلقي القبض على موسوليني وأُعدم.    

الفاشيات الأخرى
دعم  موسليني بسخاء النازية الألمانية (وهي أبرز نماذج الفاشية الموغلة في اليمينية) في معركتها للوصول إلى الحكم، كما دعم الجنرال فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، وكان لمشاركة الطيران الإيطالي والألماني في قصف مواقع الاشتراكيين الإسبان تأثير بارز في حسم المواجهة.

وكانت الفاشية الإسبانية أقل شمولية ودموية وعدوانية من الفاشية الإيطالية والألمانية، بل إن فرانكو رفض دخول الحرب إلى جانب دول المحور، ورفض عبور قوات ألمانيا النازية أراضي بلاده إلى أفريقيا. وشفع له هذا الموقف عند نهاية الحرب وإن كان نظامه تعرض لحصارٍ دولي خانق استمر إلى عام 1953.

ظهرت في أوروبا فاشيات أخرى أقل شهرة منها نظام أوليفيه دي سان لازار الذي حكم البرتغال بين عامي 1933 و1968 والتزم الحياد خلال الحرب العالمية الثانية رغم عقيدته الفاشية الدموية التي جسدها رفضه مسايرة حركة الاستقلال في الستينيات، ودخوله حروبا دموية في غينيا بيساو وأنغولا.

وفي شرق أوروبا عرفت اليونان نظاما دكتاتوريا ذا مسحة فاشية بين عامي 1936 و1941 وتزعمه الجنرال لاونيس متاكزاس، وإن كان المؤرخون يختلفون حول عقيدته الفاشية، كما ظهرت فاشيات أخرى في كرواتيا ورومانيا والمجر.

وتتحد جميع هذه النماذج في طابعها القومي العنصري، والاستبدادي الرافض للتعددية والديمقراطية وإلغاء الحريات السياسية والنقابية وحرية التنظيم خارج الأطر التي تضعها هي وتراقبها.  

المصدر : الجزيرة