اتفاق باريس حول المناخ.. هل أقبره ترمب؟

French Foreign Affairs Minister Laurent Fabius (3R), President-designate of COP21, , French President Francois Hollande (2L) and United Nations Secretary-General Ban Ki-moon (2R) at the World Climate Change Conference 2015 (COP21) in Le Bourget, north of Paris, France, 12 December 2015. The 21st Conference of the Parties (COP21) was held in Paris from 30 November to 12 December.
قمة باريس وافقت على حصر حرارة الأرض في درجتين مئويتين لتقليص مخاطر التغير المناخي (الأوروبية)
 
وتعهد المجتمع الدولي -ممثلا بـ195 دولة شاركت في هذا المؤتمر وخاضت مفاوضات صعبة للتوصل إلى هذا الاتفاق- بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه "دون درجتين مئويتين"، و"بمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية". بعد تأكيد دول واقعة على جزر مهددة بارتفاع مستوى البحر أنها ستصبح في خطر إذا تجاوزت حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.

وحُدد هدف الدرجتين المئويتين -وهو هدف محوري لأنه سيسمح بتقليص مهم لمخاطر التغير المناخي حسب العلماء- قياسا بعصر ما قبل الصناعة في كوبنهاغن عام 2009، مما يفرض تخفيضا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.

أهداف وإجراءات
وأعلنت الدول الموقعة إجراءات للحد من تقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة في أفق الفترة 2025-2030. لكن حتى في حال احترام هذه التعهدات، فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيكون بنحو ثلاث درجات مئوية.

والهدف هو التوصل إلى "ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن"، و"القيام بعمليات خفض سريع إثر ذلك للتوصل إلى توازن بين الانبعاثات" التي تسببها أنشطة بشرية والانبعاثات "التي تمتصها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن"، في إشارة محتملة إلى الغابات وأيضا تقنية الالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث في الفضاء.

ويتمثل أحد أهم إجراءات الاتفاق -الذي وصفه رئيس قمة المناخ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بأنه "اتفاق تاريخي عادل ومتوازن وملزم قانونيا"- في وضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية التي ستبقى اختيارية. وستـُجرى أول مراجعة إجبارية لاتفاق باريس عام 2025، ويتعين أن تشهد المراجعات التالية "إحراز تقدم".

وقبل ذلك، دُعيت مجموعة الخبراء الدوليين في المناخ لإعداد تقرير 2018 خاص بسبل التوصل لمستوى الـ1.5 درجة مئوية والجهود المرتبطة بمثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة. وفي ذلك العام، ستُجري الـ195 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية، وستدعى عام 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها.

ويتعين أن تكون الدول المتقدمة "في الطليعة على مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات"، في حين يتعين على الدول النامية "مواصلة تحسين جهودها" في التصدي للانحباس الحراري "في ضوء أوضاعها الوطنية". وذلك لوقف ارتفاع حرارة الأرض تفاديا للتبعات الكارثية للاختلال المناخي الذي بات ملحوظا، مثل تزايد الفيضانات وموجات الجفاف وذوبان الكتل الجليدية.

ويفترض أن يسرع هذا الاتفاق -الذي سيدخل حيز التنفيذ في 2020- العمل لخفض استخدام الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم والغاز، ويشجع على اللجوء إلى مصادر للطاقة المتجددة ويغير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية.

وبينما كانت الدول النامية حتى الآن خاضعة لقواعد أكثر تشددا في مجال التقييم والتثبت في المبادرات التي تقوم بها، نص اتفاق باريس على أن النظام ذاته ينطبق على الجميع. وكانت هذه النقطة شديدة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، غير أنه تم إقرار "مرونة" تأخذ في الاعتبار "القدرات المختلفة" لكل بلد.

مساعدات وتعويضات
وبخصوص تعهد الدول الغنية عام 2009 بتقديم مئة مليار دولار سنويا بداية من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة لتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري التي تعتبر هي أولى ضحاياها؛ نص الاتفاق -بناء على طلب الدول النامية- على أن مبلغ المئة مليار دولار ليس سوى "حد أدنى"، وسيتم اقتراح هدف مرقم جديد وأعلى عام 2025.

ومن جهة أخرى ترفض الدول المتقدمة أن تدفع وحدها المساعدة، وتطالب دولا مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية بأن تساهم. ولذلك نص الاتفاق على "وجوب أن تقدم الدول المتقدمة موارد مالية لمساعدة الدول النامية"، وأضف "نشجع باقي الأطراف (دول أو مجموعة دول) على تقديم الدعم على أساس طوعي".

ويعني ذلك مساعدة الدول التي تتأثر بالانحباس الحراري حين تصبح المواءمة غير ممكنة، وتشمل الخسائر التي لا يمكن تعويضها والمرتبطة بذوبان كتل الجليد أو ارتفاع مستوى المياه مثلا، مما يشكل خطورة على الإنتاج الزراعي والثروات البحرية في العديد من المناطق.

ورغم أنه لم يسوّ كافة المشاكل، فإن اتفاق باريس خصص فصلا كاملا لمسألة ذوبان الجليد بسبب التغير المناخي، وهو ما يشكل إنجازا للدول الأشد هشاشة مثل الدول الواقعة على جزر، لأنه يعزز الآلية الدولية المعروفة بـ"آلية وارسو" المخصصة لهذه المسألة، والتي لا يزال يتعين تحديد إجراءاتها العملية.

وهذه المسألة حساسة بالنسبة للدول المتقدمة، خصوصا الولايات المتحدة التي تخشى الوقوع في مساءلات قضائية بسبب "مسؤوليتها التاريخية" عن الانحباس الحراري.

يشار إلى أن الصين والولايات المتحدة هما أكبر ملوثين في العالم، وتنتج الصين من غازات الدفيئة ضعف الكمية التي تنتجها الولايات المتحدة. لكن هذه الدول توصلت إلى إدراج بند يوضح أن الاتفاق "لن يشكل قاعدة" لتحميل "المسؤوليات أو المطالبة بتعويضات".

وإضافة إلى ترحيب الدول المشاركة في القمة بهذا الاتفاق، عبرت المنظمات غير الحكومية عن رضاها عنه لأنه يؤكد ضرورة عدم تجاوز سقف الدرجتين المئويتين مقارنة مع مستوى ما قبل الثورة الصناعية، ولأنه يأتي بعد ست سنوات على فشل مؤتمر كوبنهاغن الذي عجز عن التوصل إلى اتفاق مشابه.

الاتفاق شهد رجة كبرى يوم 1 يونيو/حزيران 2017 بعدما فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم  بإعلانه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

وقال ترمب في خطاب من البيت الأبيض إن اتفاقية باريس للمناخ ستزيد التكلفة على الشعب الأميركي بشكل غير متناسب، وأضاف أنه بهذا القرار يفي بتعهده بأن "يضع العمال الأميركيين أولا".

واعتبر ترمب أن اتفاق باريس "لا يصب في صالح الولايات المتحدة" ويوقف تطوير مناجم الفحم النظيفة، معلنا عزم واشنطن على التفاوض حول اتفاق جديد أفضل.

وفي بيان مشترك ونادر صدر في روما عقب إعلان ترمب قراره، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، عن الأسف لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاق باريس، مشددين في الوقت ذاته على عدم إمكانية إعادة التفاوض على الاتفاق.

وأعلنوا رفضهم للقرار، وقالوا إنهم لن يتفاوضوا على اتفاق جديد، فيما عبّرت الأمم المتحدة عن خيبتها لما أقدم عليه ترمب.

واعتبر ماكرون من جانبه أن الرئيس الأميركي ارتكب خطأ تاريخيا بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، ودعا علماء المناخ ورجال الأعمال الأميركيين المحبطين للمجيء إلى فرنسا والعمل فيها.

كما ندد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما -الذي كان أبرز مهندسي اتفاق باريس للمناخ- بقرار ترمب الانسحاب من الاتفاق.

ويترتب على أي بلد يريد الانسحاب من الاتفاق إبلاغ أمانة سر اتفاقية الامم المتحدة للمناخ، لكن ليس قبل انقضاء ثلاث سنوات على سريان النص الذي تم في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ولاحقا يفترض صدور إشعار قبل عام ليتم "الانسحاب" الفعلي.

المصدر : الجزيرة