شعار قسم مدونات

في المسألة اللوثرية في الإسلام: أو: عدنان إبراهيم (5)

BLOGS - ADNAN
الممارسات الإصلاحية لمقاومة التحيز في المجتمع العلمي الإسلامي

لا أرتاب في أن مسألة التجديد في الإسلام من أهم، وأعوص؛ الإشكالات النظرية التي يجب أن ينشغل بها المجتمع العلمي الإسلامي، وأن يقدمها تقديمًا حقيقيًّا له أثر واضح في اهتماماته واشتغالاته، على ما سواه من مسائل. وإسهامًا في الجواب عن ذلك السؤال والإشكال ارتأيت أن أبحثه في سياق ظاهرة شخصية موضوعية لها وجود حاضر واسع، بما لا يجعل كلامنا معلقًا في الهواء. بحيث نقدر على الفهم: عن أي تجديد نتحدث؟ وبأي معنى؟ هل نحن في حاجة إلى لوثرية تحطم القديم وتستأنف من جديد؟ وهل هذا ممكنٌ أصلًا، فضلًا عن أن يكون صوابًا؟

في هذه السلسلة قدَّمنا في الجزء الأول بإجمالنا لوصف خطاب عدنان الشرعي بأنه خطاب وعظي، ليس صادرًا من عالم متأهل، وليس هو في نفسه متسمًا بالسمات العلمية التي تنتج الأقوال العلمية المعتبر. ثم أسسنا في الجزء الثاني  من هذه السلسلة لكون الحكم العلمي على عالِمية الشخص، أو اعتبار أقواله في الدائرة العلمية؛ هو أمر مختص بالعلماء. وشرعنا في توصيف طبيعة المجتمع العلمي، وظاهرة التحيز فيه، وسمات الموضوعية الأساسية التي يقوم عليها، في الجزء الثالث، ونظّرنا لهذا المعادل الموضوعي العام للمجتمع العلمي، بما لا يرفع عن مجمله سمة الموضوعية في الجزء الرابع .

اقتصرت الممارسة الإصلاحية لمقابلة أي تحيز محتمل في ذلك العصر: على الإلزام بالكتاب والسنة، ما غاب منها عن المخالف، وما خالف فيه في دلالته.

نحن نتتبع خطوات التفكير المنطقية التي ترد على ذهن الجمهور العام المتابع للظاهرة، ولكنه من غير ذوي الاختصاص في العلوم الدينية كي يقدر على الحكم عليها، وهذا فضلًا عن جماهيره المتعصبين له بطبيعة الحال. هذا النوع من السير المنطقي جعلنا نراوح بين العام والخاص، فنخرج عن السؤال الخاص كي نؤسس له تأسيسًا نظريًّا عامًّا، يعين القارئ على الحكم بنفسه من جهة، وعلى تعميم تلك المعايير على شخص عدنان إبراهيم، وغيره.

(1)
قدمنا أساسًا نظريًّا جيدًا حول الموضوعية الإجمالية للمجتمع العلمي الأول المعياري للمسلمين. ولكن سيرد على ذلك إشكال التطبيق. بأسلوب آخر: هل كان التطبيق دائمًا على ذلك المستوى من الموضوعية؟ لا إشكال أن التطبيق قد يقع فيه، وقد وقع بالفعل عبر التاريخ: أنواع من التحيز وعدم الموضوعية، ولهذا أمثلة معروفة عبر التاريخ. ونحن قد صححنا وقوعه في المجتمعات العلمية الخاصة عمومًا، وبخاصة تلك المتأخرة، كما سيأتي الآن.

وإذا تجاوزنا مجتمع الصحابة، باعتبار أمثلة التحيز فيه قليلة أولًا، وجزئية تتعلق بمسائل ثانيًّا، فلا نعجز أن نجد بعض الأمثلة الفرعية كاشتداد بعض الصحابة في بعض مسائل الإرث ودعوته للمباهلة عليها، ووقوع الخلاف بينهم في بعض صور الربا والأنكحة، واشتداد العبارة من بعضهم في مقابلة ذلك الخلاف؛ إلا أن المسوغات الموضوعية لوقوع الخلاف في مثل تلك المسائل لا يمكن القطع معها بكون ذلك تحيزًا، نظرًا لقرب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسيولة كثير من الأدلة في ذلك العصر. ومع كون وقوع الهوى ليس مستحيلًا من الصحابة، لكنه حين يقع في المسائل العلمية يكون ملتبسًا بمسوغات موضوعية، فيندر وقوع التحيز الخالص منهم، لفضيلتهم العلمية والأخلاقية. ولذلك فالتسامح العلمي كان شائعًا، والاعتراف بالمزية العلمية ظل قائما بقطع النظر عن الخلاف. وقد سمح عمر لعمار بن ياسر أن يفتي بالتيمم للجنب رغم أنه لم يكن يتذكر ثبوت ذلك الحكم. ورغم قسوة عليّ على ابن عباس في نعته ببعض الصفات بسبب أقوال مخالفة له، فإن ابن عباس ظل محل ثقة علي، حتى ولاه على البصرة في خلافته. ومعاوية أرسل يسأل عليّا عن مسائل علمية في خلافته!

وفي ضوء ذلك فقد اقتصرت الممارسة الإصلاحية لمقابلة أي تحيز محتمل في ذلك العصر: على الإلزام بالكتاب والسنة، ما غاب منها عن المخالف، وما خالف فيه في دلالته، وقد ينضاف إلى ذلك أحيانًا الاستدلال بتصرفات كبار الصحابة المطلعين على أحوال وسياق تلك الموضوعات، كالاستدلال بسيرة الشيخين، أو الخلفاء، أو قدماء الصحابة.

(2)
ومع ذلك التجاوز، فبوصولنا إلى المجتمع العلمي بعد الصحابة، ومع وقوفنا على أمثلة أكثر عمومًا من التحيز، تجاوزت الخلاف في مسألة أو مسائل، أو مشرب عام، أو بناء اجتهادي، إلى الإلغاء المطلق، منذ خصومات أهل الحديث وأهل الرأي وما جرى بينهما من إقصاء متبادل؛ فقد ظلّ هذا الخلاف جزئيًّا، لم يقع التطابق عليه. فرغم أن أكثر أهل الحديث قد أسقطوا أهل الرأي من الاعتبار العلمي، إلا أن قلة من أهل الحديث خالفت من ذلك، ثم إن أهل الرأي هم من جملة المجتمع العلمي، ولم يكن من المقبول أن يعتبر قول مخالفيهم فيهم، إذ لا يصح من الناحية العقلية أن يحتج بالإجماع على مخالفيه في نفس العصر!

وبذلك بقي معامل الموضوعية العام متحققًا في ذلك العصر، لما ذكرناه من مسوغات موضوعية، ضمنت من اختلاف ذلك المجتمع العلمي؛ استحالةَ تحقق تواطؤ على قول أو رأي يكون مؤسسًا على التحيز دون مستندات موضوعية. فنحن لا ندّعي مجتمعًا علميًّا طهوريّا ولا معصومًا، ونحن لا نمنع أن يقع تحيز واعتساف وجور، لكنه: لا يكون عامّا، ثم لا يكون دائمَا.
وكما كان في العصر السابق – الصحابة – اقتصرت الممارسة الإصلاحية على الإلزام بالنصوص، وانضاف إليها فهم الصحابة، والكلام في معاني النصوص، والقواعد التي تؤسس لها، والإلزام بعمل الأمصار المتتابعة.
وبذلك تشكلت المعالم العلمية العامة للمجتمع العلمي الإسلامي، التي تنقسم برأينا إلى اتجاهات ثلاث: اتجاه النصوص: الذي تمثل في أهل الحديث، واتجاه القواعد والمقاصد: الذي تمثل في أهل الرأي، واتجاه التقليد العلمي: والذي تمثل في مدرسة المدينة بصورة أساسية.

(3)
إن ما قررناه من موضوعية المجتمع العلمي الإسلامي، كان يتعلق أصالةً بالمجتمع العلمي المعياري الأول للصحابة، مرورًا بالعصور السائلة في القرون الثلاثة الأولى، التي شهدت نشأة وتكوين العلوم الإسلامية. ولم يكن ذلك يمنع من وقوع حالات من التحيز، كما أقررنا من قبل، ولكن ظل ذلك جزئيًّا، ولم يقع عليه تطابق عام.

ولكن: مع التنميط المذهبي الصارم، والذي صار مسنودًا بالسلطة في أغلب الأحيان، وتشكلت له هيئات علمية، كالمدارس، واجتماعية سياسية كالقضاء، واقتصادية كالأوقاف؛ فضلًا عن المناخ العام من الجمود، وأفول الاجتهاد؛ كل ذلك كان كافيًا لتشكيل صورة أوضح للجماعات العلمية الصلبة المغلقة. وفي جوّ كهذا نجد مرتعًا خصبًا وإمكانيات متزايدة لحصول التحيز. نحن نتكلم عن الفترة من القرن السادس وحتى الثامن. ولا يمكن أن نغفل عن وقوع العالم الإسلامي في تلك الحقبة المريرة تحت وطأة التهديد الوجودي، بفعل هجمات الصليبيين من جهة، واكتساح المغول الذي شكل عمليًّا الإيقاف الفعلي لعمل الإسلام في التاريخ. لم يعد الإسلام بعدها كما كان قبلها. كل فضيلة وشعاع نور؛ تقلّص، وكل نقيصة وظلام؛ تمدد.

نعني بالنقل أن يقدر المجتهد أو المجدد على نقل ما يصحح رأيه من الأقوال المعتبرة في المجتمع العلمي ما قبل الجمود، سواء من عصر الصحابة المعياري، أو المجتمع العلمي الأول بعده.

الظواهر السلبية التي كانت موجودة جزئيًّا في مجال العقائد والفقه والسلوك: تأطرت لأول مرة في الإسلام في صورة نماذج كاملة وصلبة ولها شرعية وجود. نقف في تلك الحقبة على أنظمة كاملة من الفلسفة، والكلام، والتصوف، والفقه: تبتعد كثيرًا – وبعضها مناقض – عن الصورة الأولى للمجتمع الإسلامي، وإن كانت تتفاوت في ذلك البُعد تفاوتًا يتطابق مع الترتيب الذي ذكرناها به. لكنها ظلت تبتعد عن المجتمع العلمي الأول. نحن سنرجع على ذلك التصور، وإمكانات الإصلاح فيه في مقال لاحق خارج هذه السلسلة، من خلال نموذج ابن تيمية.

(4)
من الصحيح أن تلك الأنظمة المغلقة قد تسامحت فيما بينها، وبخاصة إذا تكلمنا في دائرة الفقه والعقيدة والتصوف غير الباطني، بعيدًا عن الفلسفة والتصوف الفلسفي، وقصرت التحيز على ما هو خارج تلك الأنظمة المنمطة؛ إلا أنه لا ينبغي أن نظن أن ذلك التسامح كان هو نفسه شيئًا أساسيّا بينها، فذلك التسامح لم يكن إلا إفرازًا لعوامل متعددة، أهمها الواقع والعامل السلطوي السياسي.

وإذا قصرنا النظر على الفقه، باعتباره أكثر تلك المجالات خصوبة وسعة في الخلاف؛ فإن المنظومات الفقهية المتمثلة في المذاهب وإن كان قد شاع بينها سمة الاعتراف المتبادل، مما أضعف وقلل التحيز بينها، وحفظ إمكانية التعايش بين أتباعها، وحصر تحيزها ضد من يخرج عن أُطرها؛ إلا أن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نظن أن ذلك التسامح كان داخليًّا بين تلك المذاهب للوهلة الأولى، فهذا تصور مفرط في التفاؤل من جهة، ومغاير للواقع من جهة أخرى.

نعم، لا نعدم عبارات الثناء المتبادل بين أئمة المذاهب الفقهية، باستثناء أبي حنيفة، إلا أن هذه العبارات نفسها لا ينبغي أن نغفل عن كونها كانت في الجو السائل نفسه، والذي أسسنا لمعامل الموضوعية العام فيه من قبل، لقد كان هذا هو عصر الأئمة، وليس عصر مذاهبهم.

مع تأسس المذاهب وتنميطها؛ شهد القرنان الرابع والخامس نوعًا من التحيز وقلة التسامح والحزازات بين تلك المذاهب، وبخاصة بين الحنفي وسائرها، استتباعا للخلاف التاريخي بين أهل الرأي وأهل الحديث ومن قرب منهم. ولكن حتى المذاهب الثلاثة القريبة نسبيًّا؛ قد مارست تحيزات ضد بعضها، ببين المالكية والشافعية، وبين الشافعية والحنابلة، وشهدت الأندلس وما وراء النهر وبغداد وغيرها من حواضر الإسلام شواهد على ذلك.

لم يفرض هذا الاعتراف نفسه إلا بعد وطأة الواقع السلطوية، التي اعتمدت القضاء والفتوى في أمصار معينة على مذهب معين، ثم ما جرى في أوائل العصر المملوكي في القرن السابع من إقرار القضاء في مصر والشام على المذاهب الأربعة حصرًا وعلى التوازي.

نعم رافق هذا الواقع ممارسات إصلاحية من علماء هذه المذاهب: فمن يصدق أن أبا حنيفة؛ يجري الاعتراف به حنبليًّا كإمام معتبر في الفقه، حتى يكتب ابن تيمية رسالة في فضله، ويخصص غالب رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) في الاعتذار عن مخالفاته لأهل الحديث ضمنيًا، وحتى يكتب ابن عبد البر (الانتقاء في مناقب الثلاثة الأئمة الفقهاء)، ومن ضمنهم أبو حنيفة؟
ولكن ما يدل على أن هذا التسامح قد جرى تفعيله في الواقع بفعل القوة السلطوية أكثر مما جرى بفعل الممارسة الإصلاحية أن هذا التسامح اتسع ليشمل حتى الخلافات العقدية الأعظم صلابة من الفقهية، كما نجد في تقبل الحنابلة للأشاعرة، بعد تعادلهما في مباراة التعصب، وذلك حين تسيد الأشاعرة من جديد في عهد السلاجقة، وسيطروا على معاقل العلم الأساسية في الشرق – المدرسة النظامية -، والمغرب مع قيام دولة الموحدين الأشعرية.

إذن، وفي ظل هذا الجمود والانغلاق الذي أفرز التحيز السافر ضد أي حركة تجديدية أو مخالفة عمومًا، كيف يمكن للمجتهد المخالف لتلك الأنظمة أو بعضها أو يواجه ذلك التحيز؟ يمكن أن نستلهم ذلك من خلال حركة ابن تيمية التجديدية في العقائد والفقه، باعتبارها أهم حركة تجديدية من داخل المجتمع العلمي في تلك الحقبة.

(5)
تنحصر بنظرنا أدوات المجتهد المتأخر للتخلص من تحيزات المجتمع العلمي المغلق في اللجوء لأداتين: النقل والتنميط.

ونعني بالنقل أن يقدر المجتهد أو المجدد على نقل ما يصحح رأيه من الأقوال المعتبرة في المجتمع العلمي ما قبل الجمود، سواء من عصر الصحابة المعياري، أو المجتمع العلمي الأول بعده.

الرجوع إلى المجتمع الأول المعياري – الصحابة -، ثم استعمال الخلاف الحاصل في المجتمع العلمي اللاحق عليه، ولو قلَّ، في ضوء ما ذكرناه من استحالة التواطؤ المطلق: يمكن استعماله في إجراء المراجعات أو لتصحيح أحقية قول ما في الاعتبار.

هذا ما قدر ابن تيمية أن يصنعه في المسائل التي خالف فيه الاتجاهات السائدة فقهيًّا وعقديًّا في عصره، كمسائل الطلاق وشد الرحل لزيارة القبر النبوي والتوسل، فضلًا عن مسألة الصفات الإلهية، ومسألة الزيارة الشركية والبدعية والسنية، ومسألة الاستغاثة المنافية للتوحيد. نقل ابن تيمية في تلك المسائل، وبتفاوت الزخم فيها، عن السلف، ما يصحح رأيه، أو على الأقل يجعله في دائرة السواغ في بعض المسائل. نحن مارسنا هذه الآلية في كتابنا (التحيز وضرره على الفقه والمعرفة) في مواجهة زعمٍ بأن الأئمة قد اتفقوا على لزوم ستر وجه المرأة، وأن جواز كشفه قول محدث.

ثم التنميط: والمقصود به أن المجدد الذي لا يقدر أن يأتي بقوله نفسه – يعني المطابق لقوله – من المصادر العلمية التي نقلت أقوال المجتمع العلمي المعياري وما بعده، أن يكون قادرًا على تنميط قوله في بنية استدلالية أو تأصيلية، تولّد قولَه الذي لم يقف على نقله عن أحد سبقه.

لم يمكن أن يتفق علماء العصر على تبديع ابن تيمية أو نزول رتبته، بل غالب علماء العصر لم يسعهم إلا التسليم بعالميته، حتى مخالفوه.

قد يكون ذلك عن طريق التلفيق العلمي غير المتناقض بين قولين، بتوليد قول ثالث. وقد يكون هذا ببنية أصولية أعمق من هذا، وفق ما نجد في النظرية التيمية في الإجماع الظني، الذي وإن كان حجة ملزمة للمجتهد، إلا أنه كسائر الحجج الظنية، لا يقطع معها المجتهد بقوله، ولكن يقوله بالظن الراجح الذي يجب العمل به عند انتفاء ما يساويه أو يفوقه رجحانًا. فالإجماع لا يخرج عن تلك القاعدة كسائر الأدلة، منه ما لا يقطع فيه المجتهد بأن جميع السلف قد قالوا بقوله، ولكنه لم يجد مخالفًا، وهو ما يسمى بعدم العلم بالمخالف، فإذا لم يقطع المجتهد بوجود المخالف: فإن هذا الإجماع يبقى ظنيًّا، فيكون دليلًا ملزمًا كافيًا، ولكن يمكن مخالفته بدليل يساويه أو يغلبه في الظنية، بخلاف ما لو قطع المجتهد بعدم المخالف فإن الإجماع في تلك الحالة يكون قطعيًّا لا تجوز مخالفته.

هذا الإجراء – بخلاف النقل – لا يقدر عليه مجرد مجدد، يعني عالم فحسب، بل يجب أن يكون مجتهدًا، لأنه يتطلب أهلية علمية، وإحاطة بالوحي وعامة العلوم الدينية الخادمة له، بما لا يقدر عليه آحاد العلماء.

لقد واجه ابن تيمية بهاتين الآليتين، التحيز الكبير الذي مورس ضده من قبل فقهاء عصره. ممارسات ابن تيمية الإصلاحية، التي كانت نتيجة لاقتداره العلمي الكامل: كفلت له أن يدخل في معياريْ نفي التحيز العام الذيْن سبق أن كررناهما: الجزئية والتأقيت. لم يمكن أن يتفق علماء العصر على تبديع ابن تيمية أو نزول رتبته، بل غالب علماء العصر لم يسعهم إلا التسليم بعالميته، حتى مخالفوه. ثم أنصف التاريخُ ابنَ تيمية، فهو شيخ الإسلام الذي لا يستغني عالم ديني موافق أو مخالف عن تراثه، وحتى أكثر اجتهاداته إثارة للجدل في عصره، وأكثرها تسببًا في تعرضه للمحن: مسألة الطلاق ثلاثًا: قد اعتمدتها أغلب المحاكم المدنية في العالم الإسلامي اليوم.

في ضوء الآلية التي ذكرناها كممارسة إصلاحية ضد التحيز العلمي مع فشوّ التحيز في المجتمع العلمي المتأخر، ومن خلال التجربة الواقعية التي أجرينا عليها التطبيق، والتي تمثلت في شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعد الإجابة على السؤال العام حول التجديد وعقبة التحيز: يرد السؤال المتعلق بخصوص الظاهرة: عدنان إبراهيم. لمَ لا يكون عدنان إبراهيم ابن تيمية آخر يمارس المجتمع العلمي التحيز والإقصاء ضدّه؟ نتابع في الحلقة القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.